الانتماء لله و رسوله هو من أسباب انتصار السلف على أعدائهم إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
أما بعد: فإن الانتماء لله ورسوله هو من أسباب انتصار السلف على أعدائهم وظهورهم عليهم، لذلك ينبغي للآباء أن يعلموا أبناءهم صدق الانتماء لله ورسوله
صورة من الانتماء لله و رسوله في تاريخ السلف :
سلمة بن الأكوع وصدقالانتماء :
أيها الإخوة الكرام! صدق الانتماء يطيل النَّفس في البذل والجهاد، وقد قصرت أنفاس كثير من الناس بضعف الانتماء أو بعدم وجوده، وخذ هذا المثل الذي ما سمعته أذناك ولا رأته عيناك:
صحابي جليل لا يعرفه أكثر الناس، وهو سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قص قصة عجيبة وخبراً غريباً على شجاعته وبذله وقوة قلبه، وجرأة جنانه على الأحداث، وهذا الحديث حفظه لنا الإمام مسلم في صحيحه رحمة الله عليه، قال سلمة : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية وكنا أربعة عشر مائة-ألف وأربعمائة- فجاءوا على البئر وقد عطش الناس وعطش الظهر -الحيوانات- قال: فجاء النبي صلى الله عليه وسلم على جبل ركية -أي: على حافة البئر- فإما دعا وإما بصق، قال: فجاش الماء فسقينا واستقينا، ثم قفلوا راجعين إلى المدينة، قال: ودعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه إلى البيعة تحت الشجرة فكنت في أوائل من بايع، ثم دعا الناس إلى البيعة، فقال لي: ألا تبايع يا سلمة ؟ قلت: يا رسول الله! قد بايعت في أوائل الناس، قال: وأيضاً، فبايعته فدعا الناس إلى البيعة ثالثاً، فقال لي: ألا تبايع يا سلمة ؟ قلت: يا رسول الله! بايعتك في أوائل الناس وفي وسط الناس، قال: وأيضاً، فبايعته للمرة الثالثة، وكان قد أعطاني حجفة أو درقة -وهي تشبه الترس الذي يستخدمه الرجل في القتال- لما رآني عزلاًًً من السلاح، قال: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين درقتك التي أعطيتك؟ قلت: يا رسول الله! لقيت عمي عامراً وهو عازل من السلاح فأعطيته إياها، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (إنك كالذي قال الأول: اللهم أبغني حبيباً هو أحب إليّ من نفسي) قال سلمة : وكنت تبيعاً لـطلحة بن عبيد الله أخدمه وأسقي فرسه، وقد تركت مالي وأهلي مهاجراً إلى الله ورسوله. قال: وراسلنا المشركون في الصلح حتى اختلط بعضنا ببعض ومشى بعضنا في بعض -يعني: وضعت الحرب أوزارها- قال: فأتيت شجرة فكسحت الشوك التي تحتها -يعني: كنسته- واضطجعت، فجاء أربعة نفر من المشركين فوقعوا في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبغضتهم -لا يستطيع أن يقتلهم؛ لأن الحرب وضعت أوزارها وهم في معاهدة- قال: وتحولت إلى شجرة أخرى، ونام المشركون الأربعة تحت الشجرة وعلقوا سيوفهم. قال: وبينما أنا مضطجع إذا بصارخ: قتل ابن جنيد -من المسلمين- قال: فحينئذٍ قمت فاخترطت سيفي وسللته،وأخذت سيوف المشركين فجعلتها ضغثاً في يدي -يعني: حزمة- ووقفت عليهم، فقلت: والذي كرم وجه محمد لو نظر إليّ منكم أحد لضربت الذي فيه عيناه، وأخذتهم أستاقهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا بعمي عامر أتى برجل من العبلات يقال له: مكرد ، على فرس مجفف -مكسو- ومعه سبعون من المشركين -أتى بهم أسرى- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوهم يكن عليهم بدء الفجور وثناه)، وعفا عنهم -يبدءون هم بالفجور ونقض العهد، ويثنون أيضاً فتكون لنا الحجة البالغة في قتلهم- وتركهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقفلوا راجعين إلى المدينة، وهم راجعون إلى المدينة كان هناك جبل بين المسلمين وبين بني لحيان من المشركين؛ لأن هذا الجبل كانت عيون الرسول صلى الله عليه وسلم عليه يحرسون المسلمين، فكان الذي يرقى الجبل يستغفر له- قال سلمة : فرقيت الجبل في هذه الليلة مرتين أو ثلاث مرات، وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره -والظهر هي: النوق التي تحمل الأثقال أرسله مع غلامه رباح ، ومع سلمة بن الأكوع -. قال: فلما أصبحنا إذا بـعبد الرحمن الفزاري -وكان رجلاً كافراً- يقتل راعي النبي صلى الله عليه وسلم ويأخذ كل الإبل، قال: فلما رأيت ذلك، أعطيت الفرس لـرباح وقلت: أوصل هذا الفرس إلى طلحة بن عبيد الله ، وقل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المشركين قتلوا غلامه وأخذوا سلاحه. ثم صعد على قمة الجبل ووجه صوته إلى المدينة وصرخ ثلاث مرات: واصباحاه .. قال: وانطلقت وراءهم وأنا أرميهم بالنبل -وكان سلمة أسرع من الخيل- قال: فجعلت أضرب رحالهم، فيسقط السهم بين أكتافهم فأقول لهم: أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع -يقال عن اللئيم: راضع، وإنما سمي اللئيم راضعاً؛ لأن البخيل من العرب كان إذا أراد أن يشرب اللبن، يذهب إلى ثدي الناقة ويمصه حتى لا يسمع الجيران، فقيل: لئيم راضع- . قال: وانطلقت وراءهم أضربهم بالسهم، قال: فوالله ما خلق الله بعيراً من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم -أي: من النوق التي يملكها- إلا خلفته ورائي -تركوا كل شيء- قال: وتركوا ثلاثين بردة وثلاثين رمحاً يستخفون -يتخففون رجاء الفرار- قال: حتى وصلوا إلى مضيق جبل واحترزوا مني ولم تصل سهامي إليهم، فصعدت قمة الجبل وجعلت أرديهم بالحجارة، حتى جاء ابن بدر الفزاري فقال: ما لكم؟ قالوا: نحن في هذا البرح من الغلس فقال: ماذا تفعلون؟ قالوا: هذا الرجل قال: ألا يقوم أربعة إليه -وسلمة على قمة تل صغير يستمع- قال: فلما أمكنوني من الكلام، قلت لهم: تعرفونني؟ قالوا: لا. من أنت؟ قال: أنا سلمة بن الأكوع ، والله لا أريد منكم رجلاً إلا نلته، ولا تريدون مني شيئاً فتحصلوه مني. فقال رجل: أظن ذلك، فلا نقدر عليه، قال: وجلسوا يتغدون، قال: فما تركتهم يأكلون -ضربهم بالسهام والنبال- فتركوا الغداء وفروا، فجاء فرسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أو أربعة أولهم: الأخرم الأسدي، وثانيهم: أبو قتادة الأنصاري، وثالثهم: المقداد بن الأسود ، قال: فلما جاء الأخرم أخذت بعنان فرسه، وقلت له: لا يقتطعونك، انتظر حتى يجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قال: فقال لي الأخرم : يا سلمة ! إن كنت تعلم أن الله حق وأن النار حق وأن الجنة حق فلا تحل بيني وبين الشهادة. قال: فتركته فتناجز هو وعبد الرحمن الفزاري الذي قتل راعي النبي عليه الصلاة والسلام، فقتل الأخرم فرس عبد الرحمن وقتل عبد الرحمن الأخرم ، وأخذ الفزاري الكافر فرس الأخرم وركبه وفر، قال: فلحقه أبو قتادة الأنصاري فقتله، قال: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقال: إنهم في بني غطفان، وبعد أن ظفر الرسول عليه الصلاة والسلام بظهره ذبح بلال له ناقة وجعل يشوي له من كبدها وسنامها -وكان كل هذا بالليل- فقال له سلمة : انتدبني مع مائة رجل نتبعهم، قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأيت نواجذه في النار -في ضوء النار- وقال: أأنت تفعل ذلك؟ قلت: أجل، فقال عليه الصلاة والسلام: (خير فرساننا اليوم أبو قتادة ، وخير رَجَّالتنا سلمة)، وقفلوا راجعين إلى المدينة. قال: وكان رجل لا يسبق شداً -يعني: سريع جداً- فجعل يقول: ألا من مسابق .. ويكررها، فقال له سلمة : إنك لا تكرم كريماً ولا تهاب شريفاً، قال: نعم، إلا رسول الله، فقال: يا رسول الله! ائذن لي؟ قال: فاستبقنا، قال: فقفزت قفزتين ووقفت أستبقي نفسي ... إلخ.
الانتماء قضية مصيرية؛ لأنه يبنى على هذا الانتماء دين المرء، ونحن في هذا العصر أحوج ما نكون إلى هذا الانتماء؛ لأنه في وقت ظهور الإسلام كان الناس بين مؤمن وكافر، وكان الوضع في مكة برغم شدته أخف من المدينة؛ لأنه ظهر في المدينة منافقون، يظهرون الإسلام ويكيدون ويوقعون بين الأحباب، وهذا لم يكن موجوداً في مكة، فصار العبء جسيماً وثقيلاً.
وفي عصرنا ظهر الكفر والنفاق معاً، ليس كفراً فقط، وليس نفاقاً فقط، إنما هو كفر ونفاق .