أعز شخصية على قلبي هو حبيبي صلى الله عليه وسلم ولكن لا أستطيع الكتابة عنه في بضع أسطر .
لذلك خطر في بالي التابعي عروة بن الزبير الذي أعتبره من الصابرين بالرغم من أنه ليس بنبي ولا صحابي .
وهنا نبدأ قصة التابعي الصابر الذي يجب جعلة قدوة لنا في تحمل الشدائد والرضا بما يريد الله وطبعاً كلنا يجب أن نكون راضين بقضاء الله ولكن النفس البشرية تشعر بعدم التحمل ولكن قصص الأنبياء والصحابة والتابعين أكبر مثال لنا ليجعلنا نفكر أنهم لاقوا كثيراً وعانوا كثيراً فمن نحن حتى نعترض ونناقش في حال تعرضنا لبعض المصاعب .
البداية :
يقول عبد الملك بن مروان : (( من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى عروة بن الزبير )) .
وتبدأ قصته منذ أن كان فتىً جالس مع ثلاثة من أصدقائه بالقرب من الركن اليماني للكعبة المشرفة ، وهم عبد الله بن الزبير ، مصعب بن الزبير ، عروة بن الزبير ، وعبد الملك بن مروان ودار بينهم الحديث التالي : فقال قائل منهم ليتمن كل منا على الله ما يحب، قال عبد الله بن الزبير: أمنيتي أن أملك الحجاز وأن أنال الخلافة ، وأما مصعب بن الزبير : فتمنى أن يملك العراقين ولا ينازعه فيهما منازع ، وقال عبد الملك بن مروان : إذا كنتما تقنعان بذلك ، فأنا لا أقنع إلا بأن أملك الأرض كلها ، وأن أنال الخلافة بعد معاوية بن أبي سفيان، و سكت عروة بن الزبير فلم يقل شيئاً فسألوه وأنت ماذا تتمنى ياعروة فقال : بارك الله لكم فيما تمنيتم من أمر دنياكم أما أنا فأتمنى أن أكون عالماً عاملا ً ، يأخذ الناس عني كتاب ربهم وسنة نبيهم وأحكام دينهم ....
وأن أفوز في الآخرة برضى الله وأحظى بجنته ........
ثم دارت الأيام دورتها فإذا بعبد الله بن الزبير يُبَايع له بالخلافة ، عقب موت يزيد بن معاوية فيحكم الحجاز ، ومصر ، واليمن ، وخُراسان ، والعراق ... ثم يُقتل عند الكعبة غير بعيد عن المكان الذي تمنى فيه ما تمنى .
وإذا بمصعب بن الزبير يتولى إمرة العراق من قبل أخيه عبد الله ويُقتل هو الآخر دون ولايته أيضاً ( دفاعاً عن ولايته ) .
وإذا بعبد الملك بن مروان تؤول إليه الخلافة بعد موت أبيه ، وتجتمع عليه كلمة المسلمين بعد مقتل عبد الله بن الزبير وأخيه مصعب ، ثم يغدو أعظم ملوك الدنيا في زمانه ، فما كان من أمر عروة بن الزبير تعالوا نبدأ قصته من أولها :
وُلد عروة بن الزبير لسنة واحدة بقيت من خلافة الفاروق رضي الله عنه في بيت أعز بيوت المسلمين شأناً وأرفعها مقاماً فأبوه الزبير بن العوام حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم(( الخاصة من أصحابه)) وأول من سلّ سيفاً في الإسلام وأحد العشرة المبشرين بالجنة .
وأمه هي أسماء بنت أبي بكر الملقّبة بذات النطاقين . وجدّه لأمه هو أبو بكر الصدّيق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصاحبه في الغار .
وجدّته لأبيه هي صفية بنت عبد المطّلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وخالته هي أمّ المؤمنين عائشة عليها رضوان الله .
فقد نزل إلى قبرها حين دفنت بنفسه ، وسوّى عليها لحدها بيديه ، أفتظنّ أنّ بعد هذا الحسب حسباً ، وأنّ فوق هذا الشرف شرفاً غير شرف الإيمان وعزة الإسلام .
ولكي يحقق عروة أمنيته التي تمنّاها على الله عند الكعبة المعظّمة أكبّ على طلب العلم وانقطع له، واغتنم البقية الباقية من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفق يؤم بيوتهم ويصلّي خلفهم ويتتبع مجالسهم ثم روى عنهم ، وأخذ كثيراً عن خالته عائشة أم المؤمنين حتى غدا أحد فقهاء المدينة السبعة الذين يفزع إليهم المسلمون في دينهم ويستعين بهم الولاة الصالحون على ما استرعاهم الله جلّ وعزّ من أمر العباد والبلاد .
وقد دعاه عمر بن عبد العزيز حين قدم المدينة والياً عليها مع تسعة من فقهاء المدينة وطلب منهم أن يكونوا له أعواناً على الحق ، فدعا له عروة بخير ورجا له من الله السداد والرشاد .
صفات عروة بن الزبير الدينية والخلقية :
كان عروة بن الزبير رضي الله عنه صوّاماً في الهواجر ( شدة الحر ) ، قوّاماً في العتمات ، رطب اللسان دائماً بذكر الله ، مصاحباً لكتاب الله عزّ وجل ، عاكفاً على تلاوته ، كان يقرأ ربع القرآن كل نهار نظراً في المصحف ، ثم يقوم به الليل تلاوة عن ظهر قلب ، وما ترك ذلك منذ أول شبابه إلى يوم وفاته غير مرة واحدة لخطب نزل به سيمر معنا بعد قليل .
كان يجد في الصلاة راحة نفسه وقرة عينه ، وجنته على الأرض ، فيحسنها كل الإحسان ويتقن شعائرها تمام الإتقان ، ويطيلها غاية الطول .
حيث يروى عنه أنّه مرة شاهد رجلاً يصلي صلاة خفيفة فعندما انتهى دعاه وقال : يا ابن أخي ، أما كانت لك عند ربك جلّ وعزّ حاجة ؟
والله إني لأسأل الله تبارك وتعالى في صلاتي كل شيءٍ حتى المِلح .
بالإضافة إلى ذلك كان سمحاً جواداً سخيّ اليد ، والدليل على سخاءه وجوده أنّه كان له بستان من أعظم بساتين المدينة ، عذب المياه ، ظليل الأشجار ، باسق النخيل ، فكان يسوّر بستانه طوال العام لحماية الأشجار من أذى الماشية ، حتى إذا آن أوان الرُّطب وأينعت الثمار وطابت ، واشتهتها ، كسر حائط بستانه في أكثر من جهة ليُجيز للناس دخوله .
فكان الناس يدخلون إليه ذاهبين آيبيين ، يأكلون من ثمره ما لذّ لهم الأكل ، ويحملون ما طاب لهم الحَمْل .وكلما دخل بستانه ردّد قوله جلّ وعزّ : ((وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ )) .سورة الكهف آية (39 ).
ابتلاء عروة بن الزبير :
في ذات سنة من خلافة الوليد بن عبد الملك شاء الله أن يمتحن عروة بن الزبير امتحاناً لا يثبت له إلا ذوُو الأفئدة التي عَمَرَها الإيمان وأترعها (ملأها ) اليقين .
فلقد دعا خليفة المسلمين عروة بن الزبير لزيارته في دمشق فلبى دعوته وصحب معه أكبر بنيه ولما قدم على الخليفة رحب بمقدمه أعظم الترحيب ، وأكرم وفادته أوفى الإكرام ، وبالغ في الحفاوة به . ثم شاء الله سبحانه أن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن .
ذلك أن ابن عروة دخل على إصطبل الوليد ليتفرج على جياده الصافنات ، فرمحته دابة رمحة قاضية أودت بحياته .ولم يكد الأب المفجوع ينفُضُ يديه من تراب قبر ولده ، حتى أصابت إحدى قدميه الآكلة ( داء يصيب العضو فيأتكل منه ) فتورمت ساقه وجعل الورم يشتد ويمتد بسرعة مذهلة ، فاستدعى الخليفة لضيفه الأطباء من كل جهة .. وحضهم على معالجته بأي وسيلة .. لكن الأطباء أجمعوا على أنه لا مندوحة (لا بدْ ولا مفر ) من بتر ساق عروة قبل أن يسري الورم إلى سائر جسده كله ،ويكون سببا في القضاء عليه .. فلم يجد بُداً من الإذعان لذلك ولما حضر الجراح لبتر الساق ، وأحضر معه مباضعه (آله يشق بها الطبيب الجلد ) لشق اللحم ، ومناشيره لنشر العظم .
قال الطبيب لعروة : أرى أن نسقيك جرعة من مسكر لكي لا تشعر بآلام البتر المبرحة .
فقال : هيهات لا أستعين بحرام على ما أرجوه من العافية .
فقال له : إذن نسقيك المخدر ، فقال : ما أحب أن أُسْلب عضواً من أعضائي دون أن أشعر بألمه وأحتسب ذك عند الله
لما همّ الجراح بقطع الساق ، تقدم نحو عروة طائفة من الرجال
فقال: من هؤلاء ؟!
فقيل : لقد جيء بهم ليمسكوك ، فلربما اشتد عليك الألم ، فجذبت قدمك جذبة أضرت بك.
فقال : ردوهم .. لا حاجة لي بهم إني لأرجوا أن أكفيكم ذلك بالذكر والتسبيح .. ثم أقبل عليه الطبيب فقطع اللحم بالمبضع ... ولما بلغ العظم وضع عليه المنشار وطفق ينشر به .
وعروة يقول: لا إله إلا الله ...... والله أكبر
وما فتئ الجراح ينشر وعروة يهلل ويكبر حتى بُترت الساق بتراً .
ثم أغلي الزيت في مغارف الحديد ،وغمست به ساق عروة لإيقاف تدفق الدم ، وحسم الجراح ، فأغمي عليه إغماءة طويلة حالت دونه ودون أن يقرأ حصته من كتاب الله في ذلك اليوم .....
وكانت المرة الوحيدة التي فاته فيها ذلك الخير منذ صدر شبابه ولما صحا عروة دعا بقدمه المبتورة فناولوه إياها ... فجعل يقبلها بيده وهو يقول أما والذي حملني عليك في عتمات الليل إلى المساجد إنه ليعلم أنني ما مشيت بك إلى حرام قط .
ثم جعل يقول أبياتاً لمعن بن أوس :
لعمرُك ما أهويت كفّي لريبة ولا حملتني نحو فاحشة رجلي
ولا قادني سمعي ولا بصري لها ولا دلّني رأيي عليها ولا عقلي
وأعلم أنّي لم تصبني مصيبة من الدهر إلا قد أصابت فتىً قبلي
محاولة الخليفة الوليد بن عبد الملك التخفيف عن ما أصاب عروة:
شق على الخليفة ما نزل بضيفه من النوازل ، فقد احتسب ابنه ، وفقد ساقه في أيام معدودات ، فجعل يحتال لتعزيته ، وتصبيره على ما أصابه .
وصادف أن قدم قوم من بني عبس فيهم رجل ضرير، فسأله الخليفة الوليد عن سبب ذهاب بصره، فقال الرجل:
يا أمير المؤمنين، لم يكن هناك في بني عبس رجل يزيد ماله على مالي، ولا يكثر عني أهلا أوولداً ، فنزلت أنا وأهلي ومالي في بطن أحد الوديان التي يسكن فيها قومي، فجاء سيل شديد لم نر مثله قط ، فذهب بجميع ما كان لي من أهل وولد ومال ، ولم يترك لي سوى بعير واحد وطفل صغير حديث الولادة.
وكان البعير صعب المراس ، فشرد مني ، فوضعت الصبي على الأرض لكي أتمكن من تتبع البعير، فلم أجاوز مكاني إلا قليلاً حتى سمعت صيحة ابني ، فالتفت فوجدت رأس الطفل في فم الذئب وهو يأكله. فجريت إليه ولكن لم استطع إنقاذه، فقد كان قد أتى عليه.
فالتفت اجري نحو البعير لأحبسه، فلما دنوت منه رفسني برجله على وجهي فحطّم جبيني وذهب ببصري ،وهكذا وجدت نفسي في ليلة واحدة بلا مال ولا أهل ولا ولد ولا بصر.
فقال الوليد لحاجبه :
انطلقوا به إلى عروة بن الزبير، ليعلم أن في الناس من هو أعظم منه بلاء.
عودته إلى المدينة :
ولما حُمل عروة بن الزبير إلى المدينة وأدخل على أهله
بادرهم قائلا: لا يهولنكم ما ترون ... فلقد وهبني الله عز وجل أربعة من البنين ، ثم أخذ منهم واحدا وأبقى لي ثلاثة ...
فله الحمد.......
وأعطاني أربعة من الأطراف ثم أخذ منها واحدا وأبقى لي ثلاثة ....
فله الحمد .....
وأيم الله لئن أخذ الله مني قليلا ، فلقد أبقى لي كثيراً ...... ولئن ابتلاني مرة فلطالما عافاني مرات .
أمّا أهل المدينة لمّا عرفوا بوصول إمامهم وعالمهم عروة بن الزبير توافدوا على بيته من كل جهة ليواسوه ويعزّوه ، فكان من أحسن ما عُزّي به كلمة إبراهيم بن محمد بن طلحة حيث قال له :
(( أبشر يا أبا عبد الله ، فقد سبقك عضو من أعضاءك ، وولد من أبنائك إلى الجنة ، والكل يتبع البعض إن شاء الله ولقد أبقى الله لنا منك ما نحن إليه فقراء وعنه غير أغنياء من علمك ، وفقهك ، ورأيك ، نفعك الله وإيّانا به ، والله وليّ ثوابك والضّمين بحسن ثوابك )).
أعمال عروة بن الزبير :
ظلّ منارة هدى ودليل فلاح وداعية خيرطوال حياته ، اهتم بتربية أولاده تربية خاصة ، وسائر أبناء المسلمين عامة ، فاغتنم جميع الفرص لتوجيههم وتقديم النصح لهم .
فكان يحضّهم على طلب العلم ويقول لهم : (( يا بَنيّ تعلّموا العلم ، وابذلوا له حقه فإنّكم إن تكونوا صغار قوم ، فعسى أن يجعلكم الله بالعلم كبراءهم )) ثم يقول : واسوأتاه ، هل في الدنيا شيء أقبح من شيخ جاهل ؟
وكان يطلب منهم أن يجعلوا الصدقة هدية تُهدى لله عزّ وجل فيقول : (( يا بَنيّ لا يُهدِينّ أحدكم إلى ربه ما يستحي أن يُهديه إلى عزيز قومه ، فإن الله تعالى أعزُّ الأعزّاء أكرم الكرماء ،وأحقّ من يُختار له ))
كان يبصّرهم بالناس وينفذ بهم إلى جوهرهم فيقول : (( يا بَنيّ إذا رأيتم من رجل فعلة خيررائعة فأمّلوا به خيراً ، ولو كان في نظر الناس رجل سوء ، فإنّ لها عنده أخوات ، وإذا رأيتم من رجل فعلة شرٍ فظيعة فاحذروه ، وإن كان في نظر الناس رجل خير ، فإنّ لها عنده أيضاً أخوات
واعلموا أنّ الحسنة تدلّ على أخواتها وأنّ السيئة تدلّ على أخواتها أيضاً )) .
وكان يوصيهم بلين الجانب وطِيب الكلام وبِشر الوجه فيقول : (( يا بَنيّ مكتوب في الحكمة ،لتكن كلمتك طيبة ،وليكن وجهك طلقاً ، تكن أحبّ إلى الناس ممن يَبذل لهم العطاء ))
كان يُّذكر الناس بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من شظف العيش وخشونة الحياة إذا رآهم مالوا إلى الترف واستمرؤا ( طاب لهم ) النعيم وهنا نروي قصة لمحمد بن المُكَنْدِر يقول : (( لقيني عروة فأخذ بيدي وقال يا أبا عبد الله ، فقلت : لبّيك فقال : دخلتُ على أمي عائشة رضي الله عنها فقالت : يا بُنَيّ فقلت : لبّيك ، فقالت : والله إن كنّا لنمكث أربعين ليلة ما نوقد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بنار مصباحاً ولا غيره ، فقلت يا أمّه : فيم كنتم تعيشون ؟ فقالت : بالأسودين التمر والماء )).
وفاة عروة بن الزبير :
عاش واحداً وسبعين عاماً مترعة بالخير حافلة بالبر مكللة بالتقى ، فلمّا جاءه الأجل المحتوم أدركه وهو صائم ، ولقد ألحّ عليه أهله أن يفطر فأبى .
لقد أبى لأنه كان يرجو أن يكون فطره على شربة من نهر الكوثرفي قوارير من فضة بأيدي الحور العين .وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: " من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ". ( الحديث حسّنه الألباني في صحيح الجامع الصغير، برقم 6042 ).
هذه قصة التابعي رضوان الله عليه الذي يعتبر مثال على الصبر والمصابرة . المرجع صور من حياة التابعين الدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا
آلسسلام عليكم ورحمةة الله وبركآته ، آخبارك إن شآء الله بكل خير ، شكراً لآناملك الرائعةة والمميزة وجزآك الله كل خير ، بوركت تقبل مروري ، وكل عآم وآنت بألف خير .. بروب