تكتلات الاقتصادية خلال هذه التكتلات الجديدة-أكثر ديناميكية من أي وقت مضى في عصر يصعب فيه التمييز بين ما هو اقتصادي وماهو سياسي. ولمزيد من التفصيل سنلقي الضوء بإيجاز على أهم تلك التكتلات الكبيرة والحديثة النشأة كالاتحاد الأوروبي والنافتا، والآسيان، والأبيك.
1.التكتل الاقتصادي الأوروبي:
تعتبر الاتحاد الأوروبي من أكبر التكتلات الاقتصادية في العالم وأكثرها اكتمالا من حيث البني والهياكل التكاملية، ومن حيث الاستمرار في استكمال المسيرة التكاملية. فلا يكاد يمر حدث على المستوى الأوروبي إلا ويؤكد أن المسيرة الأوروبية كانت ولا تزال مسيرة عدة دول خلفت وراءها نزاعات تاريخية مريرة، وتجتمع الآن حسب ماتمليه مصالحها المادية المتفاوتة ويتحول الاتحاد الأوروبي بهذا المنظور إلى مجموعة دولية إقليمية بزعامة مهيمنة تتباين بصددها التنبؤات. ومن حيث الإمكانيات فإن هذا التكتل يهيمن تجاريا على أكثر من ثلث التجارة العالمية، حيث يحقق حجم تجارة خارجية يصل في المتوسط إلى حوالي 150 مليار دولار، وهو بذلك يفوق تجمع النافتا. كما يصل الدخل القومي لهذا التكتل إلى مايزيد على 7 آلاف مليار دولار وهو أكبر دخل قومي في العالم، كما أنه يعتبر أضخم سوق اقتصادي داخلي حيث بلغ عدد سكانه 380 مليون نسمة وبمتوسطات دخل فردي مرتفعة نسبيا
ويلاحظ أن التكتل الاقتصادي الأوروبي يتخذ استراتيجية هجومية تجاه الاقتصاد العالمي ويسعى بكل قوة إلى أن يكون على رأس الشكل الهرمي للنظام الاقتصادي العالمي الجديد في القرن الحادي والعشرين، ويمكن أن نلتمس ذلك بجلاء من خلال تفحص أهداف هذا التكتل التي وإن كانت تركز على تقوية الهياكل والبنى الاقتصادية للاتحاد ،إلا أنها تنص بشكل واضح على سعي الاتحاد إلى دخول القرن الحادي والعشرين بصورة تسمح له بأن يلعب دوراً أكثر فاعلية في كافة المجالات الاقتصادية بل وحتى السياسية. وهذا ما يدعم فرضية الترابط بين ظاهرة تنامي التكتلات الاقتصادية وما يشهده العالم من عولمة اقتصادية على جميع الأصعدة.
2. التكتل الاقتصادي لأمريكا الشمالية(NAFTA)
تعتبر مصادقة الكونغرس الأمريكي في 17 .11. 1993 على اتفاقية منطقة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية هي البداية لإنشاء هذا التكتل-مع أن سريان الاتفاقية لم يبدأ إلا في أول يناير 1994-الذي يضم كلا من الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، وهو كما يفهم من الاتفاقية المنشئة له مفتوح أمام باقي الدول الأمريكية بما في ذلك بعض دول أمريكا اللاتينية التي قد تنضم إليه في المستقبل.
وعن حجم وإمكانيات هذا التكتل-وبالرغم من أنه لايضم إلا ثلاث دول كبيرة-فإنه يمثل أكبر منطقة تجارة حرة في العالم تقريبا بحجم اقتصاد يقارب 7 تريليونات دولار عند النشأة، وعدد منتجين ومستهلكين يناهز 360 مليون نسمة، كما يصل الناتج المحلي الإجمالي له إلى 670 مليار دولار، وحجم التجارة الخارجية له إلى 1017 مليار دولار عام 1991، ناهيك عن الإمكانات التي تتمتع بها الولايات المتحدة الأمريكية من مستويات تكنولوجية وصناعات متقدمة وثروات طبيعية وقدرات مالية هائلة
وإذا تفحصنا أهداف هذا الاتحاد نجدها لا تختلف كثيراً عن أهداف الاتحاد الأوروبي، فهي بعد تحقيق اقتصاد قوي للدول الأعضاء تعطي كل أولوياتها للقدرة على منافسة التكتلات الاقتصادية الأخرى الصاعدة على المستوى العالمي وبالخصوص الاتحاد الأوروبي، محاولة حجز مكان اقتصادي يناسب المكان المعتبر لهذه الكتلة وبالخصوص الولايات المتحدة الأمريكية.
3. التكتل الاقتصادي الآسيوي:
لاتزال آسيا إحدى الساحات الهامة في العالم التي من المنتظر أن تشكل تكتلا اقتصاديا عملاقا يضاهي تكتل الاتحاد الأوروبي أو النافتا، خاصة إذا ما نظرنا إلى الدولتين القويتين في المنطقة (اليابان، والصين).وحتى الآن يمكن تمييز محورين للتكتل الاقتصادي في منطقة شرق وغرب الباسيفيكي:
* المحور الأول:يتمثل في رابطة جنوب شرق آسيا المعروفة باسم الآسيان(ASEAN)
*المحور الثاني:يتمثل في جماعة التعاون الاقتصادي لآسيا الباسيفيكية والمعروفة باسم (APEC).
أ. رابطة جنوب شرق آسيا ASEAN)):يتكون تكتل الآسيان هذا من 6 دول هي:تايلاند، سنغافورة، ماليزيا، بروتاي، إندونيسيا، الفلبين. وقد أنشئ هذا التكتل 1967 وكان هدفه آنذاك أن يكون حلفا سياسياً مضاداً للشيوعية، إلا أن القلق المشترك الذي ساد مختلف دول المجموعة نتيجة الأضرار التي لحقت بهم جراء الإجراءات الحمائية المتبعة من قبل الولايات المتحدة وأوروبا تجاه صادرات تلك الدول جعلها تركز على التعاون الاقتصادي فيما بينها. وهكذا طرح رئيس وزراء ماليزيا في سنة 1990 فكرة إنشاء تكتل اقتصادي تجاري بين دول الرابطة (الآسيان)، وقد أرسى هذا التكتل خطوة هامة على طريق تأسيس جبهة منظمة-مضادة للتكتلات الاقتصادية الأخرى-في جنوب شرق آسيا. ومع محدودية النمو في التعاون الاقتصادي وتكامل الأسواق بين دول التكتل فإنه أصبح من الملاحظ أن دوره في التجارة الدولية يتزايد باستمرار، فبعد أن كانت صادرات المجموعة لاتمثل إلا حوالي1. 3%من إجمالي الصادرات العالمية، وحوالي 3. 11%
من إجمالي صادرات الدول النامية فقد وصلت هذه الصادرات إلى 2. 5%من إجمالي الصادرات العالمية، وحوالي 8 .16%من إجمالي صادرات الدول النامية
ب. جماعة التعاون الاقتصادي لآسيا الباسيفيكية (APEC):وتتكون هذه المجموعة من 18 دولة على رأسها اليابان والصين واستراليا والولايات وكندا والمكسيك ونيوزيلندة وكوريا الجنوبية، ودول رابطة الآسيان. وقد جاء إنشاء هذا التجمع الاقتصادي العملاق كرد فعل على إعلان قيام أوروبا الموحدة عام 1992. وتأتي الخطوات المتلاحقة لتطوير هذا المنتدى الاقتصادي وتحويله إلى تكتل اقتصادي فعلى من الرغبة المشتركة لكل من اليابان والولايات المتحدة وإدراكهما أن هذه الخطوة تحقق مكاسب للجميع. ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي لهذا التجمع حوالي 13 تويليون دولار وهو ما يمثل نصف الناتج القومي الإجمالي العالمي، فضلا عن سيطرته على حوالي 50% من التجارة العالمية
إن نجاح مثل هذا التكتل العملاق يتوقف على قدرة اليابان على تفهم طبيعة الدول الآسيوية الأخرى التي تأبى الهيمنة والسيطرة والاستقلال، فإذا نجحت اليابان في فهم هذه الدول إضافة إلى تقديمها مساعدات اقتصادية لدول تلك المنطقة ومساهمتها في حل مشاكلها، كل ذلك يجعل من اليابان قوة اقتصادية تقود تكتلا اقتصاديا في جنوب شرق آسيا يكون من أكبر التكتلات التي تؤثر في مستقبل الاقتصاد العالمي في القرن الحادي والعشرين.
إن هذه التكتلات الاقتصادية الكبيرة- التي وصل البعض منها إلى الأطوار الأخيرة من الاكتمال والنضج-تقودها الدول المتقدمة كما هو ملاحظ في كل من أوروبا و أمريكا وآسيا، ولذلك سيزداد تأثيرها في الاقتصاد العالمي مع مرور الزمن، وقد تنحصر المنافسة في إطار هذه التكتلات وهذا ما سيؤثر بقوة في النظام الاقتصادي وفي حجم المكاسب وشكل تكوينها.
كان ذلك عن التكتلات الاقتصادية في الدول المتقدمة وقد يتضح من العرض السابق لها كيف أنها تنمو بسرعة وأن الدول المتقدمة تتهافت للدخول فيها وبأكبر نصيب، أما فيما يخص التكتلات الاقتصادية في الدول النامية فمازالت أوزانها ضعيفة وتحتاج إلى المزيد من العمل والتنسيق، مع أن الكثير منها مات واختفى في طور النشأة. ويظل السؤال المطروح: ما هو دور هذا التوجه العالمي نحو إقامة التكتلات اقتصادية إقليمية على قيام تكتلات اقتصادية إقليمية في العالم الثالث أليس من الأولى بالدول النامية أن تعطى الأولوية لتلك التكتلات؟ بوصفها أقصر طريق إلى التنمية خصوصا في عصر العولمة الاقتصادية وأدواتها الشرسة على الاقتصادات الضعيفة؟.