السؤال :
هل اسم ( الناصر) من أسماء الله ، بدليل قول النبي صلى الله وسلم في حديث صلح الحديبية : " أنا رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري..." الحديث، رواه البخاري ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
تقدم أن أسماء الله تعالى توقيفية ، فلا نتعدى الوارد في الكتاب والسنة .
راجع جواب السؤال رقم : (48964) ، (155206) .
كما تقدم في جواب السؤال رقم : (155206) أيضا أن أسماءه تعالى أخص من صفاته ، وأن صفاته أخص من أفعاله ، فباب الصفات أوسع من باب الأسماء .
ثانيا :
ذهب بعض أهل العلم إلى جواز إطلاق اسم " الناصر " على الله تعالى ، وذلك لأنه في معنى " النصير " ، والنصير من أسماء الله تعالى ، قال تعالى : ( وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) الأنفال/ 40 .
قال ابن كثير رحمه الله :
" نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ، يَعْنِي نِعْمَ الْوَلِيُّ وَنِعْمَ النَّاصِرُ مِنَ الْأَعْدَاءِ " .
انتهى من"تفسير ابن كثير" (5/ 400) .
ولأنه في معنى " الولي " والولي من أسماء الله تعالى ، قال الله عز وجل ( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا ) البقرة/ 257 ، وقال سبحانه : ( فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ ) الشورى/ 9 .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ رحمه الله :
" الْوَلِيُّ النَّاصِرُ يَنْصُرُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ " انتهى من "تفسير القرطبي" (3/ 283) .
وقال الشوكاني رحمه الله :
" الْوَلِيُّ: فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، وَهُوَ النَّاصِرُ" انتهى من " فتح القدير" (1/ 316) .
ولا شك أن الله ينصر عباده المؤمنين ، قال تعالى : ( وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ) آل عمران/ 126 .
وقال تعالى : ( إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ ) آل عمران/ 160 .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم - كما في قصة الحديبية - : ( إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ ، وَهُوَ نَاصِرِي ) رواه البخاري (2731) .
فحيث كان الله تعالى هو وحده الناصر ، لا ناصر غيره ، ولا يكون نصر إلا من عند الله : جاز إطلاق اسم " الناصر " عليه .
قال ابن منده رحمه الله :
" وَمِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: النُّورُ والنَّاصِرُ وَالنَّذِيرُ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) النور/ 35 وَقَالَ : ( نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) الأنفال/ 40 " انتهى من كتاب "التوحيد" (2/ 194) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
ما حكم التعبيد بأسماء لم يثبت كونها من أسماء الله الحسنى ، مثل:( عبد الستار ) ، ( عبد المغني ) ، ( عبد الهادي ) ، ( عبد المنعم ) ... ونحوها ؟ وهل يلزم تغييرها؟
فأجاب : " الصحيح أن ما دل من الأسماء بإطلاق على الله تعالى : جاز التعبيد به ، كالمذكورة ، ولا يلزم تغييره ، ومثلها : عبد الناصر " .
انتهى من "ثمرات التدوين" (ص6) . وذهب آخرون من أهل العلم إلى أن " الناصر " ليس من أسماء الله تعالى ، لأنه لم يرد في الكتاب ولا في السنة ، ولكن يجوز إطلاقه على أنه صفة ، فيقال : الله تعالى هو ناصر المؤمنين ، ونحو ذلك .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" ليس من أسماء الله الناصر ، وإن كان هو الناصر سبحانه وتعالى ، لكن لم يثبت في أسمائه فيما نعلم الناصر ، فعبد الناصر لا ينبغي ، وإنما يتسمى بغير ذلك ، كعبد القادر وعبد العزيز وعبد الكريم وعبد القدوس وعبد السلام وأشباهها من الأسماء المحفوظة ، وأما من يسمي أولاده بهذا فإنه ينبغي له أن يغير عبد الباسط وعبد الناصر بأسماء أخرى " انتهى .
https://www.youtube.com/watch?v=jp7ydr1vyjQ
وقال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله :
" ومن هذا : الغلطُ في التعبيد لأسماءٍ يُظنُّ أنَّها من أسماءِ اللهِ تعالى وليستْ كذلك؛ مثل: عبدِ المقصودِ ، عبدِ الستَّارِ ، عبدِ الموجودِ ، عبد المعبودِ ، عبدِ الهوه ، عبد المُرْسِل ، عبد الوحيد ، عبد الطالب ، عبد الناصر ، عبد القاضي ، عبد الجامع ، عبد الحنان ، عبد الصاحب - لحديث: (الصاحب في السفر) - عبد الوفي.. فهذه يكونُ الخطأُ فيها من جهتين:
- من جهةِ تسميةِ اللهِ بما لم يردْ بِهِ السَّمعُ ، وأسماؤهُ سبحانه توقيفيَّةٌ على النصِّ مِن كتابٍ أو سنَّةٍ.
- والجهةُ الثانيةُ : التَّعبيدُ بما لم يسمِّ اللهُ بهِ نفسه ، ولا رسولُه صلى الله عليه وسلم .
، وكثير منها من صفات الله العُلى، لكن قد غلط غلطاً بيناً من جعل لله من كل صفة اسماً ، واشتق له منها، فقول الله تعالى: ( وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ ) غافر/20 ، لا يشتق لله منها اسم القاضي، لهذا فلا يقال: عبد القاضي، وهكذا " .
انتهى من "معجم المناهي اللفظية" (ص: 371-372) .
وقال الشيخ عبد الله الغنيمان :
" الناصر لم يثبت أنه من الأسماء الحسنى ، فلا يجوز التعبيد به " انتهى .
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=68762
وينظر : "صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة" ، للشيخ علوي السقاف ، (ص 16) . وليس من شك أن المنع من التسمي بذلك - ابتداء - : هو الأحوط ، والأبرأ للذمة ، مع مثل هذا الخلاف القوي المعتبر ، في تنزل أصل أهل السنة المتفق عليه ، على خصوص هذا الاسم .
لكن : لو كان قد تسمى به من قبل : فنرجو ألا يكون عليه بأس في استبقاء الاسم القديم ، خاصة إذا شق على صاحبه تغييره ، أو كان يسبب له إشكالات في أوراقه الرسمية ، وخصوصياته . راجع جواب السؤال رقم : (48964) لمعرفة الضابط في الأسماء التي يصح إطلاقها على الله تعالى .
والله تعالى أعلم .