هل قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ) ناسخ أم منسوخ ؟ حيث أشكل عليّ فهم هذا الحديث ؟
الحمد لله
هذا الحديث رواه البخاري (3168) ومسلم (1637) وليس منسوخاً ، بل هو من الأحاديث المحكمة التي يجب العمل بها .
وقد جاءت عدة أحاديث ، تدل على المعنى نفسه :
1- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : ( لأخرجنَّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً ) أخرجه مسلم (1767).
2- عن أبي عبيدة بن الجرَّاح رضي الله عنه قال : آخرُ ما تكلَّم به النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ( أخرجوا يهودَ أهل الحجاز ، وأهل نجران من جزيرة العرب ، واعلموا أن شرار الناس الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) رواه أحمد (3/221) وصححه ابن عبد البر في "التمهيد"(1/169) ، ومحققو المسند ، والألباني في "السلسلة الصحيحة" (1132) .
والمراد بجزيرة العرب في هذه الأحاديث : الجزيرة العربية كلها ، التي يحيط بها البحر الأحمر والخليج العربي والمحيط الهندي ، وتنتهي شمالا إلى أطراف الشام والعراق .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" يجب أن يعلم أنه لا يجوز استقدام الكفرة إلى هذه الجزيرة ، لا من النصارى ، ولا من غير النصارى ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج الكفرة من هذه الجزيرة ، وأوصى عند موته صلى الله عليه وسلم بإخراجهم من هذه الجزيرة ، وهي المملكة العربية السعودية واليمن ودول الخليج ، كل هذه الدول داخلة في الجزيرة العربية ، فالواجب ألا يقر فيها الكفرة من اليهود ، والنصارى ، والبوذيين ، والشيوعيين ، والوثنيين ، وجميع من يحكم الإسلام بأنه كافر لا يجوز بقاؤه ولا إقراره في هذه الجزيرة ولا استقدامه إليها إلا عند الضرورة القصوى التي يراها ولي الأمر ، كالضرورة لأمر عارض ثم يرجع إلى بلده ممن تدعو الضرورة إلى مجيئه أو الحاجة الشديدة إلى هذه المملكة وشبهها كاليمن ودول الخليج .
أما استقدامهم ليقيموا بها فلا يجوز بل يجب أن يكتفى بالمسلمين في كل مكان ، وأن تكون المادة التي تصرف لهؤلاء الكفار تصرف للمسلمين ، وأن ينتقي من المسلمين من يعرف بالاستقامة والقوة على القيام بالأعمال حسب الطاقة والإمكان ، وأن يختار أيضا من المسلمين من هم أبعد عن البدع والمعاصي الظاهرة ، وأن لا يستخدم إلا من هو طيب ينفع البلاد ولا يضرها ، هذا هو الواجب ، لكن من ابتلي باستقدام أحد من هؤلاء الكفرة كالنصارى وغيرهم فإن عليه أن يبادر بالتخلص منهم وردهم إلى بلادهم بأسرع وقت" انتهى .
"فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (6/454) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله أيضاً : يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لا يجتمع في جزيرة العرب دينان ) لكننا نجد في معظم بلدان الجزيرة العربية وجودا كثيفا للعمالة غير الإسلامية وصل بها الأمر إلى حد بناء دور عبادة لها سواء النصارى أم الهندوس أم السِّيخ . ما الموقف الواجب على حكومات هذه البلدان اتخاذه حيال هذه الظاهرة المؤلمة ذات الخطر الداهم؟
فأجاب :
" لقد صح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : (لا يجتمع في الجزيرة دينان) وصح عنه أيضا أنه أمر بإخراج اليهود والنصارى من الجزيرة ، وأمر أن لا يبقى فيها إلا مسلم ، وأوصى عند موته صلى الله عليه وسلم بإخراج المشركين من الجزيرة ، فهذا أمر ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس فيه شك .
والواجب على الحكام أن ينفذوا هذه الوصية ، كما نفذها خليفة المسلمين عمر رضي الله عنه بإخراج اليهود من خيبر وإجلائهم ، فعلى الحكام في السعودية وفي الخليج وفي جميع أجزاء الجزيرة ، عليهم جميعا أن يجتهدوا كثيرا في إخراج النصارى والبوذيين والوثنيين والهندوس وغيرهم من الكفرة ، وألا يستقدموا إلا المسلمين .
هذا هو الواجب ، وهو مبين بيانا جليا في قواعد الشرع الحنيف . فالمقصود والواجب إخراج الكفار من الجزيرة ، وأن لا يستعمل فيها إلا المسلمون من بلاد الله ، ثم إن عليهم أيضا أن يختاروا من المسلمين ، فالمسلمون فيهم من هو مسلم بالادعاء لا بالحقيقة ، وعنده من الشر ما عنده ، فيجب على من يحتاج إلى مسلمين ليستأجرهم أن يسأل أهل المعرفة حتى لا يستقدم إلا المسلمين الطيبين المعروفين بالمحافظة على الصلاة والاستقامة .
أما الكفار فلا يستخدمهم أبدا إلا عند الضرورة الشرعية ، أي : التي يقدرها ولاة الأمر ، وفق شرع الإسلام وحده .
ولا يجوز أن يبنى في الجزيرة معابد للكفرة لا النصارى ولا غيرهم ، وما بني فيها يجب أن يهدم مع القدرة . وعلى ولي الأمر أن يهدمها ويزيلها ولا يبقي في الجزيرة مبادئ أو معاقل للشرك ولا كنائس ولا معابد ، بل يجب أن تزال من الجزيرة ، حتى لا يبقى فيها إلا المساجد والمسلمون" انتهى .
"فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (3/282) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن حكم استقدام غير المسلمين إلى الجزيرة العربية؟
فأجاب :
"استقدام غير المسلمين إلى الجزيرة العربية أخشى أن يكون من المشاقة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، حيث صح عنه كما في صحيح البخاري أنه قال في مرض موته: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) وفي صحيح مسلم أنه قال: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً). لكن استقدامهم للحاجة إليهم بحيث لا نجد مسلماً يقوم بتلك الحاجة جائز بشرط أن لا يمنحوا إقامة مطلقة.
وحيث قلنا : جائز ، فإنه إن ترتب على استقدامهم مفاسد دينية في العقيدة أو الأخلاق صار حراماً، لأن الجائز إذا ترتب عليه مفسدة صار محرماً تحريم الوسائل كما هو معلوم. ومن المفاسد المترتبة على ذلك : ما يخشى من محبتهم ، والرضا بما هم عليه من الكفر، وذهاب الغيرة الدينية بمخالطتهم. وفي المسلمين ـ ولله الحمد ـ خير وكفاية، نسأل الله الهداية والتوفيق" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (3/41) .