أنا شاب مسلم (26 عامًا) تواجهني غالبًا تحديات بشأن قيامي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمام من هم أكبر مني خاصة أبي ( وهو مسلم ) ، وأتساءل كيف يمكنني أداء هذا الواجب ؛ وقتما لا يعدل أبي معنا سواء في طريقة كلامه إليّ وإلى إخواني وأمي ؛ فهو لا يقضي معهم الوقت الكافي ولا يعلمهم دينهم بينما هم في ضلال بعيد ، وهو يصافح ويعانق النساء في العمل بزعمه أن هذا لأغراض العمل حتى لا يشعرن بعدم الراحة أو عدم الألفة . ونفس مشكلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تواجهني بصفتي رئيسًا صغير السن لمجموعة شبابية ، حيث يأمر الآباء أطفالهم الذين في مجموعتي أحيانًا بأداء بعض البدع وأنا حاضر أثناء عقد الاجتماع . فكيف يمكنني تصحيح مثل هذه الأمور وأنا في وضعي هذا ، دون أن أظهر وكأني قليل الاحترام والأدب لمن هم أكبر مني .
الحمد لله
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم الواجبات الشرعية على المسلمين ، حتى لقد جُعِلَ علامة على هذه الأمة وشرطاً لخيريتها ؛ قال الله تعالى : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) آل عمران/110 ، وقال تعالى : ( والْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) التوبة/71 [ راجع السؤال
11403 ] ففي هذا إشارة لمنزلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الدين .
وأما إشكالية القيام بهذا الواجب نحو من هو أكبر منك سنا ، خاصة أباك ، فمن الممكن التغلب عليها إلى حد كبير إذا فهمت أن القيام بذلك الواجب لابد له من التحلي بثلاث صفات أساسية ؛ هي : العلم والرفق والصبر . قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( فلا بد من هذه الثلاثة : العلم والرفق والصبر ؛ العلم قبل الأمر والنهي ، والرفق معه ، والصبر بعده ، وإن كان كل من هذه الثلاثة مستصحبا في هذه الأحوال ؛ وهذا كما جاء في الأثر عن بعض السلف .. " لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فقيها فيما يأمر به ، فقيها فيما ينهى عنه ، رفيقا فيما يأمر به ، رفيقا فيما ينهى عنه ، حليما فيما يأمر به ، حليما فيما ينهى عنه . " ) مجموع الفتاوى 28/137 .
ويعنينا هنا لحل هذه الإشكالية أن نشير أولا إلى أهمية التحلي بالحلم والرفق ؛ فلا تعنف أباك ، ولا تغلظ إليه ؛ لأنه أولا أبوك ، ثم لأنه أكبر سنا منك ، واستعن على ذلك باختيار الوقت المناسب لكل حديث ، وترقب وقت صفوه وقرب نفسه من التأثر والاستجابة ، والاستعانة بأولي الأحلام والنهى من الصالحين الناصحين ، وقبل ذلك لابد أن يلمس منك الصدق معه في القول والعمل ، والنصح له في كل أمرك ، ثم الخوف عليه من عذاب ربك ، وبعد ذلك كله صبر جميل لحكم ربك ، وما يصيبك إذا قمت لله بهذا الواجب ، كما قال لقمان الحكيم لابنه : ( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ) لقمان/17 وليكن على ذُكْر منك دائما خليل الرحمن إبراهيم ؛ كيف كان خطابه لأبيه ، حين نهاه عن الشرك بالله ، وهو أشنع مما يعمل أبوك ؛ كيف تودد إليه ، وأشفق عليه ونصحه ، ثم صبر على سوء جوابه ؛ قال الله تعالى :
( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا(4 1) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يا أبت لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) يا أبت إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43)يا أبت لا تَعْبُدْ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَانِ عَصِيًّا (44)يا أبت إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنْ الرَّحْمَانِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إبراهيم لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا(47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) ) سورة مريم
وأما المجموعة التي أنت ترأسها فالأمر فيها أسهل ، لأن التقارب في السن بينكم يسهل قبولهم للنصح منك ، خاصة إذا لمسوا فيك الصدق والنصح ، وأنك تطبق على نفسك ما تدعوهم إليه ، بل إن هذا التطبيق العملي هو أعظم أساليب الدعوة تأثيرا ، خاصة إذا كان الكلام المباشر يسبب جوا من الإعراض والعناد .
وأما اصطدام نصحك ودعوتك بتوجيهات آبائهم لهم فالواجب أن تتجنب المصادمة الصريحة لهذه التوجيهات ، بل اجعل عينك على الخطأ ، ثم قم بتعليم الصواب ، وإذا كان الأمر معصية يقعون فيها ، فخوفهم من معصية الله وحببهم في طاعته , واجعل في قلوبهم تعظيم أمر الله ونهيه ، ثم أرشدهم إلى ما ورد في هذه المعصية بخصوصها ، وهكذا الحال إذا كان الأمر أمر بدعة توجد فيهم ؛ اغرس في قلوبهم أولا حب سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنها المظهر العملي لحب النبي صلى الله عليه وسلم ، واغرس في قلوبهم بغض البدعة وكيف أنها طريق إلى النار ، في حين أن صاحبها يظن أنها طريق إلى الجنة ، واذكر لهم وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأمته في ذلك ، كما في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه ، أنه قال : ( صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ لَهَا الأَعْيُنُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ قُلْنَا أَوْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا قَالَ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى بَعْدِي اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ ) [ رواه أحمد 16692 وغيره وصححه الألباني في الصحيحة 54 ] ، ثم تنتقل بعد ذلك التوجيه العام إلى توجيههم إلى البدعة التي يقعون فيها بخصوصها .
على أنه ينبغي الانتباه إلى أن يكون وجودك في هذه المجموعة مقرونا بالنفع والإصلاح ، فمتى كان في وجودك زيادة للخير ، أو تقليل للشر ، فشاركهم في اجتماعاتهم بهذا القصد واحذر أن يكون وجودك سلبيا لا خير فيه ، أو تعويدا لك على تقبل الخطأ ، أو جرا لك إلى تلك الأخطاء ، فهنا ينبغي عليك أن تترك مكان المنكر ؛ قال الله تعالى : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً ) النساء/140
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله : ( من حضر مجلسا يعصى الله به ، فإنه يتعين عليه الإنكار عليهم مع القدرة ، أو القيام مع عدمها . ) تفسير ابن سعدي ص 210 .
وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه ، وثبتنا على الهدى وصراطه المستقيم .