السؤال:
امرأة حبس زوجها في جريمة قتل ، وقد قدرت عقوبته بحوالي خمسة وعشرين عاما ، وكانت زوجته تقوم على تربية أولاده بالعمل في البيوت وغير ذلك ، إلى أن حصلت على عقد للعمل بوزارة التربية والتعليم ، مشرفة نشاط في مدرسة ، وهناك التقى بها مدرس ، وعرف حالها ، فطلب منها الزواج ، وحدثها أنه سيوفر لها كل ما تحتاج إليه وأولادها ، فقامت بطلب الطلاق من زوجها المحبوس .
فما حكم ذلك في الشرع الحنيف ؟ ، وما حكم ذلك الرجل ؟
وهل يعد ذلك من قبيل التخبيب المحرم شرعا ؟
الجواب :
الحمد لله
التشريعات التي جاءت بها نصوص الكتاب والسنة كفيلة بحفظ الأسر والبيوت من الفساد ، وصيانة المجتمعات من محاولات الاعتداء التي تسعى بها النفوس الأمارة بالسوء ، وتحقق العدالة لجميع الأطراف بإذن الله تعالى .
ومن ذلك أنه لا يحل لمسلم أن يتقدم بعرض الزواج على أي امرأة متزوجة ، مهما كان السبب ، وسواء كان زوجها غائبا لسجن أم ضياع أم شقاق ونزاع ؛ فقد ورد في ذلك الوعيد الشديد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امرَأَةً عَلَى زَوجِهَا ) رواه أبو داود (2175) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " ، كما ورد الوعيد الشديد في المرأة التي تستجيب لهذه العروض ، وتهدم أسرتها وبيتها لا لعذر ، إلا لأن أحدهم أغواها وملأ قلبها بالأحلام والأماني الشيطانية ، : ( أَيُّمَا امرَأَةٍ سَأَلَت زَوجَهَا طَلَاقًا فِي غَيرِ مَا بَأسٍ فَحَرَامٌ عَلَيهَا رَائِحَةُ الجَنَّةِ ) رواه الترمذي (1187) ، وكل ذلك من أعظم الآثام عند الله عز وجل . كما سبق بيانه في موقعنا في الأرقام الآتية : (84849) ، (125191) ، (176201) .
وإذا كان الفقهاء قد اتفقوا على منع التصريح بخطبة المعتدة ، فمن باب أولى أن يتفقوا على منع التصريح بخطبة المتزوجة ، بل والتعريض أيضا ، مهما كان شأن زواجها ، حسما لمادة الشر والفساد ، لذلك قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله : " تحرم خطبة المنكوحة إجماعا " كما في " تحفة المحتاج " (7/209) .
وقد كان الواجب في مثل حال السائل أن يترك القرار لتلك الزوجة ، وينتظر بعيدا حتى تقرر الفراق من زوجها المسجون ، بطلب الفسخ أو الطلاق من القاضي الشرعي ، بكامل حريتها واستقلالية قرارها ، وذلك جائز لها كما سبق في الفتوى رقم : (150964) ، ثم بعد ذلك إن أحب أن يتقدم لخطبتها تصريحا بعد انقضاء عدتها فلا حرج عليه .
أما أن يعدها بالزواج ، ويمنيها بالعناية والرعاية لها ولأبنائها ، وهي في عصمة زوجها ، وإن كان سجينا : فليس ذلك من المروءة ولا من الأخلاق في شيء ، كما أنه ليس من الإسلام في شيء ؛ لما فيه من اعتداء على الأعراض المعصومة ، وإذا كانت الشريعة قد عدت ذكر المسلم في غيبته بسوء إثما عظيما ، وأكلا للحمه ميتا ، كما قال سبحانه وتعالى : ( وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ) الحجرات/12، فكم هو عظيم إثم من استولى على عرض أخيه وهو في سجنه ، فلا شك أنه أعظم إثما وأقبح جرما / قال تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) البقرة/235.
فالواجب على من وقع في ذلك المسارعة إلى التوبة والاستغفار والندم على ما فات ، والعزم على عدم العودة إلى مثله ، ولْيسْعَ في التكفير عن ذنبه بالإكثار من الصالحات ، والإحسان إلى ذلك الرجل المسجون ما استطاع إلى ذلك سبيلا ولو بالتصدق عنه ، لعل الله تعالى يكتب له ولزوجته الرحمة والمغفرة .
على أن هذه المرأة لو طلقها القاضي من زوجها ، وانقضت عدتها ، ونكحته : فإن نكاحها صحيح ، ولا يجب عليه تجديد عقد الزواج ؛ فقد قال الفقهاء : " إن صرح بالخطبة ، أو عرَّض في موضع يحرم التعريض ، ثم تزوجها بعد حلها ، صح نكاحه . وقال مالك : يطلقها تطليقة ، ثم يتزوجها ، وهذا غير صحيح ؛ لأن هذا المحرم لم يقارن العقد ، فلم يؤثر فيه " .
ينظر " المغني " (7/148) .
والله أعلم .