الحكمة الطبية من تعجيل الفطر بسم الله الرحمن الرحيم
كان الهدى النبوي الشريف في الصيام هو تعجيل الفطر لقوله صلى الله عليه وسلم {قَالَ اَللَّهُ عز وجل: أَحَبُّ عِبَادِي إِلَيَّ أَعْجَلُهُمْ فِطْرًا}[1]
وقد حضّ على ذلك صلى الله عليه وسلم فقال {لاَ يَزالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ}[2]
وذلك لأن التعجيل يذهب شعور العطش والظمأ وبخاصة في أوقات الحر الشديد وكذلك لأن الجسم يحتاج إلى الطاقة الحرارية ليستطيع مواصلة الحياة وخاصة بالنسبة للأطفال الذين هم في مرحلة بناء الأجسام والشيوخ والناقهون والحوامل اللاتي سمح لهن بالصوم والذين يعملون في أعمال شاقة ومتعبة ويفقدون الكثير من الطاقة والماء والأملاح بصورة أكبر من الإنسان العادي
هذه الحالات تحتاج لتعجيل الفطر لتعويض الفاقد بصورة سريعة لتعطى الجسد توازنه الحيوي فيستفيد من فترة الصوم المعقولة ولا يحدث له أي أثر سلبي على حالته فأنسجه أجسام هذه الحالات في أشد الحاجة للماء والطاقة والتعويض السريع يحفظها من الإنهاك والضعف
هذا بالإضافة إلى الحكم الصحية لتعجيل الفطر التي يشير إليها الدكتور/ أحمد عبد الرءوف هاشم فيقول [وتعوّد المسلم تعجيل الفطر يسب جهازه الهضمي ارتياحا وانتظاما في عمله فالفطر في وقت معّين ينبّه إفرازات اللعاب بالإضافة لرؤية الطعام الذي يزيد إفرازات اللعاب والعصارة المعدية وينبّه حركات عضلات المعدة ويعدّ الجهاز الهضمي لبدء عمله بنشاط بعد مدة راحة أثناء الصيام
ومع انتظام هذه الأفعال الفسيولوچية في أوقات محددة يوميا يتكّيف الجهاز الهضمي لبدء عمله في هذا التوقيت المحدد من كل يوم ـ وقت الغروب ـ ومخالفة النظام بتأخير الفطر يربك الهضم فتحدث حموضة زائدة وحموّ بالجوف وتجشؤ وقد يصل الأمر لالتهاب حاد بفم المعدة أو قرحة بها]
غير أنه كان من سنته صلى الله عليه وسلم تعجيل الفطر وتعجيل الصلاة حيث كان يقدم صلاة المغرب على إكمال طعام فطره ووراء هذا الأدب النبوي حكما وفوائد طبية كثيرة نوجزها فيما يلي :
1- صلاة المغرب عقب تناول الرطب أو التمر أو عصير الفاكهة تمكن المعدة والأمعاء من امتصاص المادة السكرية فيحدث ارتفاع سريع لمعدل السكر في الدم يؤدى إلى عودة النشاط والحيوية للجسم ويساعد على إزالة الشعور بالجوع حتى أنه حين يعود المسلم من الصلاة لإكمال فطره فإنه لا ينقض على الطعام بنهم وشراهة وإنما سيأكل قدرا معتدلا
2- إن دخول كمية بسيطة من الطعام ثم تركها فترة ـ هي فترة الصلاة ـ دون إدخال طعام آخر عليها إلى المعدة يعد منبها معقولا لحال المعدة والأمعاء حيث ينبه جدار المعدة للتقبض وينبه الغدد اللعابية وغدد جدار المعدة لبدء إفرازاتها بصورة أكبر لتستعد لعمل أكبر على بقية طعام الفطور بعد الصلاة ولتتم الهضم بكفاءة أكبر
3- أما عن المشاكل التي يسببها إدخال الطعام مرة واحدة إلى المعدة بكميات كبيرة فيجملها الدكتور/ أحمد عبد الرءوف هاشم فيقول [تؤدى إلى انتفاخ المعدة والأمعاء والتقليل من قدرة التقبض والتقلص لعضلات جدرانها مع تقليل معدل إفراز عصارتها مع حدوث تلبك معوي في صورة انتفاخ وآلام تحت الضلوع في الجانبين وغازات حتى ليحس المرء بضيق في التنفس واضطراب ضربات القلب وضيق بالصدر وتراخ في الحركة وكسل. إلخ ]
فإذا أضفنا إلى ذلك أن الوضوء للصلاة يجعل الجهاز العصبي ينشط بغسل الوجه واليدين والقدمين لأن نهايات أطراف الأعصاب في هذه المناطق تتنبه فتساعد في زوال الفتور كما أن ترطيب الجسم بماء الوضوء يساعد على تقليل الشعور بالعطش وتقليل ما يشربه الصائم بعد الصلاة فلا يرتبك الهضم بكثرة السوائل
ثم تكون الصلاة في صورتها كمجهود بدني متوسط منظم الإيقاع وبخاصة حركات الركوع والسجود حيث يضغط المرء على الأمعاء فينبهها وينشط من حركتها الدورية فتساعد في منع الإمساك وتنظيم فعل التبرز وهذا الضغط يقع على الكبد إلى الأمعاء الدقيقة فتكون العصارة حاضرة للتعامل مع ما يقابلها من غذاء
كل هذا وغيره يجعل المسلم شديد التمسك بهديه صلى الله عليه وسلم في الإفطار أولا على تمرات أو رطب أو ماء ثم أداء صلاة المغرب وبعدها يعود ليكمل إفطاره العادي
لسنته فاحفظ وكن متأدبا ،،،،، وحاذر فحصن الشرع باب السلامة
إلا إن كان معه ضيف أو أطفالٌ صغار أو أصحاب أعذار لا يستطيعون الانتظار فعليه أن يسير على قدرهم ويفطر معهم مع تجنب الإسراف ويبتعد عن الأطعمة والسوائل المثلجة والشديدة البرودة لأنها تؤدى إلى بطء عمل المعدة وإرباكها مع حدوث التهابات بها
وليبتعد أيضا عن شرب السوائل بكميات كبيرة لأنها تؤدى إلى امتلاء البطن بسرعة فيحس المرء بالشبع الكاذب فضلا عما تقوم به من إحداث إحساس بالميوعة وفقد الشهية وتخفيف العصارات الهاضمة والخمائر مما يؤدى إلى بطء عملية الهضم واضطرابها
وليتجنب كذلك التوابل والمواد الحريفة كالشطة وغيرها كالمخللات والمشهيّات وكذلك الأكلات الدسمة والأطعمة الدهنية والأكلات المسبكة والمقلية والصلصات فهي ثقيلة على المعدة السليمة وتسبب الانتفاخات والعطش فهي تهيّج المعدة والأمعاء والمصران الغليظ فضلا عن عسر هضمهما وإتعابها للكبد ولا ينسى بعد ذلك أن يقوم سريعا لصلاة المغرب بعد الانتهاء من الإفطار مباشرة ولا يؤجلها لقرب العشاء لأن وقت المغرب قليل فإذا أجّلها فربما لا يتمكن من أدائها في وقتها فيكون بذلك آثما وقد قال الله {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً} النساء103