بسم الله الرحمن الرحيم..
ما أجمل أن ترتبط النفوس بالخير وتنعقد عليها همتها، وما أجمل أن تتفائل بالأحسن لتجده بعون
الله ومدده ولطفه، فانشراح الصدر بالخيرات من أعظم أسباب استقرار النفس وديمومة فاعليتها،
الأمر الذي يضعها على جادة الاستفادة والإفادة، وتصير رقمًا مميزًا في المعادلة البشرية بعطائها
الفريد وبصماتها المميزة، يقول روبرت شوللر: "إن الأوقات العصبية لا تستمر إلى الأبد، لكن الأقوياء
يستمرون".
من حسنات التفاؤل أنه دليل حسن ظنك بالله عز وجل، ويجلب السعادة إلى النفس والقلب، وفي
الفأل الحسن تقوية للعزائم وانطلاقًا إلى الأمام، وباعثًا على الجد والأمل، فلولا الأمل لبطل العمل،
وفي التفاؤل أيضًا اقتداء بالسنة المطهرة، وأخذًا بالأسوة الحسنة، حيث كان النبي صلى الله عليه
وسلم يتفاءل في حروبه وغزواته وفي شأنه كله.
والتفاؤل يوحد قوة الروح وقوة الجسد، ومن استقرار الروح تزدهر الصحة النفسية التي ترتبط غاية
الارتباط بقدرة الشخصية على التوافق مع نفسها ومجتمعها الذي تعيش فيه، وهذا يؤدي -إن شاء
الله تعالى- إلى التمتع بحياة هادئة سوية، مليئة بالحماس، وخالية من الأسى والاضطراب
والتشاؤم.
التفاؤل يعني أن يرضى المرء عن نفسه، وأن يتقبل ذاته، كما يتقبل الآخرين، وتغيب عن سلوكياته
اضطرابات التوافق الاجتماعي أو السلوكيات الشاذة، بل يسلك في تصرفاته السلوك المعقول
المتسم بالاتزان والمتصف بالإيجابية والقدرة على مواجهة المواقف ومجابهة المشاكل التي تقابله
في مختلف نواحي حياته.
يقول عالما النفس (بايلس) و(سيلجمان) مؤسسًا حركة علم النفس الإيجابي "الواعدة": "إنّ
التفاؤل دفاع جيد ضد التعاسه، وإن التفاؤل يمكن أن يُتعلم".
كما يعتقدان أن الفرد عندما تتوفر لدية متطلباته الحياتية الأساسية من طعام يشبعه وبيت يؤويه،
فإن ما يفيض من ماللا يزيد إلا قليلًا من سعادته، ولكي يكون سعيدًا بجد عليه أن يبحث عن الحياة
المفعمة بالمعاني الإيجابية والأفكار التفاؤلية.
وبناءً على هذا الطرح فالصحة النفسية لا تعطى للفرد، ولكنه يكتسبها بجده واجتهاده وتوفيق الله
تعالى له، فكل فرد مسئول عن صحته النفسية وعن نموها، فإذا رأينا الأمور بصورة إيجابية تفاؤلية
أو صورة سلبية تشاؤمية فإنها تنعكس على شخصيتنا، وبالتالي هي التي ستحدد سلوكنا.
والتفاؤل والأمل يساعدا في الاستقرار النفسي الذي يتسم بتوقع النجاح والفوز في المستقبل
القريب والاستبشار به في المستقبل البعيد، ولا يكون ذلك إلا بالاعتماد والثقة في الله سبحانه
وتعالى ثم الثقة في النفس.
وأعلى مراتب التفاؤل توقع الشفاء عند المرض، والنجاح عند الفشل، والنصر عند الهزيمة، وتوقع
تفريج الكروب، ودفع المصائب والنوازل عند وقوعها، فالتفاؤل والأمل عملية نفسية إرادية تولد أفكار
ومشاعر الرضا والتحمل والثقة، وتبعد أفكار ومشاعر اليأس والانهزامية والعجز، وترقى بالإنسان إلى
النجاح والتألق.
والتفاؤل ينشط أجهزة المناعة النفسية والجسدية، مما يجعل المرء على جادة الصحة والسلامة
والوقاية، ويتفق علماء النفس على ضرورة أن يعيش الفرد يومه متفائلًا حتى في الظروف الصعبة،
ولا يقلق على المستقبل، فلكل مشكلة احتمالات لحلها، والفشل يجب أن يؤخذ على أنه تجارب
يستفيد منها المرء في المستقبل، وليست عائقًا أمام تقدمه، ثم يحاول التحسين من إخفاقاته
بهدوء وتعقل.
فالمتفائل يفسر الأزمات تفسيرًا إيجابيًا، ويتلمح لطف الله تعالى فيها بالنظر إلى من هو أشد منه
أزمة وبلاء، بل إن التفاؤل يبعث في نفسه الأمل في الله والثقة بالفرج والأمن والطمأنينة بمعية الله
الرحمن الرحيم، وفي الحديث القدسي الشهير: «أنا عند ظن عبدي بي» (صحيح الترغيب:3386).
ومن ناحية أخرى يقول علماء النفس: "علينا أن ندرك جيدًا أنه لا إفراط ولا تفريط"، صحيح أن
المتفاءل بالخير يجده، ولكن الأحوط أن لا يفرط أو يغالي في التفاؤل، لأنه قد يدفع بالفرد إلى
المغامرة، والاستهانة بأخذ الحيطة والحذر في دروب حياته.
وكذلك يعتبر التشاؤم في نفس الوقت مظهرًا من مظاهر انخفاض أو اعتلال الصحة النفسية لدى
الفرد، لأن التشاؤم يستنزف طاقة الشخص، ويقلل من نشاطه، ويضعف من دوافعه وتفكيره،
ويبعده عن مظان الأمل والسعادة والثقة بالنفس والنجاح، ولذلك فإن التفاؤل من مظاهر الصحة
النفسية الجيدة، لكن لا يكتمل التفاؤل إلا بحسن التوكل على الله عز وجل، الذي له ملك
السماوات والأرض، والإيمان بالقدرة الإلهية العظيمة التي تسير كل شيء.
وخلاصة القول أن التفاؤل هو مفتاح الصحة والسعادة والنجاح، وهو الذي يؤكد الذات ويزيد الثقة بها،
ويمنح الشعور بالمقدرة والتحكم والسيطرة على التصرفات الحالية والمستقبلية، ويعطي المرء
الاستقلال الفكري والنفسي الذي يتيح له الإمساك بمفاتيح الشخصية وعدم تركها للآخرين حتى
لا يكون قشة في مهب الريح.
كما أن التفاؤل يكسب المرء القدرة على تجاوز الأفكار السلبية وكسر حلقاتها وتغيير اتجاهها،
وتنمية الأفكار الإيجابية والارتفاع بالقدرات الكامنة فينا كي لا يقع في براثن الإحباط والتشاؤم.
إن المتفائل الحقيقي محب على الدوام لا يعرف الحسد والحقد والكراهية التي نهى عنها ديننا
الحنيف، والمتفائل عندما يتخفف من هذه الأثقال التي تعوق كل انطلاقة سيكون حرًا فاعلًا.
والتفاؤل مسلك يفرضه الإيمان بالله والرضا بقضائه وقدره، أما التشاؤم فلا يستقيم مع صريح
الإيمان، وعليه فإن تحول المتشائم إلى متفائل ممكن إذا تمت له الهداية واتبع الطريق الصحيح بعد
التوكل على الله، ولا شيء مستحيل أمام هذا التحول إذا صدقت النوايا وحسنت ثقتنا في المولى
عز وجل، فكن متفائلًا وابتعد عن التشاؤم، وابتسم فإن الحياة لك ولمن حولك.
د. خالد سعد النجار