[b]◘المسؤولية ◘
(المسؤولية الأخلاقية شرط لازم للمسؤولية الاجتماعية) •
مقدمة :
من المعلوم أن المسؤولية هي إلحاق الاقتضاء بصاحبه من حيث هو فاعله وبذلك يكون الفاعل مسؤول عن أفعاله وما يترتب عليها من نتائج وبالتالي يتحدد الجزاء ، إما ثوابا وإما عقابا وإثباتا المسؤولية عن الفاعل تكون مشروطة بشروط و هي شرط الحرية وشرط التميز بين الخير الشر فوجود هذان الشرطان يكون الفاعل مسؤولا أي مطلوبا منه الإجابة عن التبعة التي تلزم عن فعله وبعدم وجودها ترفع المسؤولية عن الفاعل والحاق الإقتضاء بالفاعل إما أن يكون من تلقاء نفسه وإما أن أن يكون من طرف الغير وتبعا لهذا فإن المسؤولية تكون أخلاقية أو اجتماعية ، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل بإمكان إيجاد صلة بين المسؤولية الأخلاقية والمسؤولية الاجتماعية ؟ وبعبارة أوضح هل العلاقة بينهما علاقة انفصال أو علاقة إتصال ؟ لاشك أن طرح هذا الإشكال لا يتحدد جوهر موضوعيته إلا بتعريف كل من المسؤولية الأخلاقية والمسؤولية الاجتماعية وبالتالي تتمظهر علاقة الاتصال أو علاقة الانفصال بطرح أوجه الاختلاف وأوجه التشابه .
التوسيع :
أوجه الاختلاف :
1/ المسؤولية الأخلاقية هو الشعور الداخلي يحس به الإنسان عندما يحكم في قرارة نفسه بأنه فاعل الفعل ويكو مصحوبا بالمتابعة حتى ولو كان الفعل الذي يقوم به الإنسان لايعاقب عليه القانون والشعور بالمتابعة ناتج عن الرقابة أو السلطة التي يمارسها الضمير على أفعالنا فمثلا نجد الكثير من الناس تصدر منهم أفعال مستهجنة دون أن يراهم أحد حتى لايحاسبهم عما فعلو لكن مع ذلك فإن ضمائرهم تحملهم التبعة التي تلزم عن أفعالهم فيشعرون بالحيرة والقلق وتأنيب الضمير وإحساس بوقوع الفعل منه ....الخ ، فالمسؤولية الأخلاقية تعني أن الإنسان مسؤولا أمام نفسه ويتحمل أيضا إما بالاستحسان أو الاستهجان وفي هذا المعنى السابق يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) ويعني هذا أن مدار المسؤولية الأخلاقية هو النية وليس نتائج الفعل فمثلا اذا صدر من الفاعل( الفعل)وترتب عليه نتائج سيئة ولم يقصدها فإنه لا يشعر بالمسؤولية ومن ثم لا يشعر بتأنيب الضمير فالمسؤولية الأخلاقية بالأحرى أنها تقوم على ما نشعر به من راحة وطمأنينة وغبطة الضمير أثناء عمل الخير وقلق وتأنيب للضمير أثناء عمل الشر ويستلزم شرطين لإثبات وجودها انتقيا انتقت معهما( المسؤولية الأخلاقية ) وهما التميز بين الخير والشر والحرية فالطفل المعتوه والصبي باعتبارهم غير مميزين لا يلحقهما من الناحية الأخلاقية مسؤولية على ما يقومان به من أفعال كما أن المميز المكر على فعل من الأفعال غير مسؤول عنه أخلاقيا .
2/ المسؤولية الاجتماعية :
ان حقيقة إثبات المسؤولية الاجتماعية لا تعود للإنسان وحده كما في المسؤولية الأخلاقية وإنما تحمل عليه من طرف المجتمع لأن تصرفات الإنسان يتعدى تأثيرها الى الغير والغير يحاسبونه إذا كانت هذه التصرفات أحدثت ضررا ماديا أو جاءت مخالفتا لما سنه المجتمع من قواعد قانونية من أنواع هذه المسؤولية هي :
المسؤولية المدنية : إن هذه المسؤولية قوامها الضرر المادي الذي يلحقه الفاعل بممتلكات الآخرين سواء كانت جامدة أو حية والجزاء يتمثل في التعويض عن الأضرار التي لحقت بالشخص المتضرر وغالبا ما تكون العقوبة مادية ومن لواحق هذه المسؤولية أن يكون المرء مسؤولا إلا عن فعل غيره من الأفراد الموضوعين تحت إشرافه مثل ذلك مسؤولية الوالد عن أولاده الصغار .... ومسؤولية الفارس عن فرسه .... مسؤولية رب العمل على آلته وعماله ....الخ ،
والمسؤولية الجنائية : تقتضي هذه المسؤولية إلزام الفرد تحمل العواقب الناجمة عن فعله الجنائي الممثل في تعديه للنظام أو تعديه لحقوق الآخرين أو في الحالات التي نص عليها القانون والجزاء أو العقوبة ممثلة في القصاص (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب ) علما أن المسؤولية الجنائية والمدنية تتضمن اقتران فعلي كمسؤولية سائق السيارة .
أوجه الاتفاق : إذا كانت المسؤولية الاجتماعية قوامها الضرر المادي وأنها تفرض على الفاعل من الخارج أنها تهتم بالفعل الإجرامي أكثر مما تهتم بالفاعل وإذا كانت المسؤولية الأخلاقية قوامها النية وأنها تحلق من طرف الفاعل نفسه وأنها تهتم بالفاعل أكثر من الفعل فإن هذه الفروق لا تمنعنا من إيجاد العلاقة الوثيقة بينهما حيث لا تستطيع أن تعاقب الفاعل عن ذنب ما ارتكبه إلا إذا كان فعله مصحوبا بوعي وإرادة وإدخال الوعي في المسؤولية يفترض بالضرورة إدخال النية أو القصد في الفعل – مواطن التداخل : وعليه فالمسؤولية الأخلاقية هي قوام المسؤولية الاجتماعية بنوعيها وشرط ضروري لها إذ نحن لا نقبل الإلزام الاجتماعي والعمل على تطبيقه إلا إذا كانا نملك حسا ذاتيا بمسؤوليتنا الأخلاقية بل لا يكفي إن نبالغ في التقدير والاعتناء بالفعل الإجرامي أو الخطأ وإنما لابد أن نقدر أيضا أهمية نية المجرم في ما ارتكب وهذا ما نعمل به اليوم غالبية القوانين الحديثة في الدول – نسبة الترابط إذن فلا انفصال ولا انفصام بين المسؤولية الأخلاقية والمسؤولية الاجتماعية بل هناك اتصال وثيق بينهما كاتصال العلة بالمعلول.