مقدمة: يتميز المحيط الذي نعيش فيه بالاتساع وهو ما يشكل عائق أمام تكيفنا خاصة أن ما ولدنا به من استعدادات فطرية لا يمكننا من التكيف الأمر الذي جعلنا مضطرين الى اكتساب بعض السلوكات وهي العادة التي توفر لنا الجهد والوقت فهل هذا يعني أن العادة مجرد تكرار آلي أم حركات جديدة؟ هلب العادة مثل الغريزة مجرد ميل أعمى نحو غاية من غير إرادة ولا شعور؟ وإذا كانت حركة ميكانيكية فهل هي تقيد حريتنا وتجعل من الصعب التحكم في سلوكنا؟
ق1: حاول البعض تعليل العادة كسلوك آلي ذلك أن اكتساب العادة يقتضي ميلا للعمل وتكرار ، يقول أريسطوا (العادة وليدة التكرار )وهذا ما جعل أنصار الموقف الآلي الحديث يتخذون من الفعل المنعكس الشرطي أسس لتفسير السلوك وتقوم النظرية المادية في تفسير اكتساب العادة على أساس من الفروض الفيزيولوجية ورد العادة الى الثبات فيرى الديكارتيون (أن العادة مجرد آلية تحكم فيها نفس الوانين التي تسير الطبيعة) مثال: ثني الورقة التي تحتفظ بآثار الثني وتسهيل إعادة ثنيها مرة أخرى وهذا ما يحدث لدى الكائنات الحية وتسمى (قابلية التشكيل) وكذلك (الاستبقاء المغناطيسي) كمثال على (التعود الفيزيائي) فالقضيب الممغنط سابقا يسهل مغنطته ثانيا وعليه فقد ربط الفيزيولوجيون أمثال جيمس ومارك دوغال العادة بالدماغ والجهاز العصبي الذي يحتفظ كالورقة بالآثار المرتبطة والمنظمة بحيث عندما تبدأ الحركة الأولى يعقبها الباقي بترتيب ثابت ويؤكد هذا أن أي اضطراب في الدماغ يودي بفقدان الكثير من هذه الحركات ثباتها وسرعتها
نقد: لقد انتقد برادين النظرية الآلية معتبرا (أن العادة ليست أي آلية أناه آلية ناتجة عن تدخل استعداد الكائن الحي في أن يتغير هو بنفسه) فالفعل المنعكس ليس عادة ، العادة ليست طبيعة ثابتة بل لما لا تكون(طبيعة عادة ثانية) كما يرى بسكال ويرى (فون برافليت) أن العادة نموذج في الاستجابة أكثر منه سلسلة من الحركات المحدودة وهي لا تقوم على التكرار أو الربط وإنما على التنظيم والتقدم .
ق2: يرى أصحاب النظرية الديناميكية (الحيوية) أن العادة لا يفسرها الجسم ، فيميز أرسطو و رافيسون بين العادة (كخاصية من خصائص الكائن الحي ) والثبات (كخاصية للجوامد) يقول أرسطو : [ إن رمي الحجر في الهواء ألف مرة لايعلمه الصعود دون قوة دافعة] و يرى رافيسون : ( أن ما يميز الألة الحية ليست طبيعة خصائخها الفيزيائية والكيميائية .... إنما كونها تتصف بالحياة ) فالروح هي التي تشكل الجسم على صورتها وليس العكس و لقد بينت أبحاث (بول ) أن الفأر الذي شكل بصورة جزئية والذي يقود على السيو في المتاهة تبقى فيه العادة ، فالخطة ثابتة في حين أساليب التنفيذ لا تعرف الثبات و في نقد نظرية الإرتباط التي تلح على التكرار...يقول : إن إكتساب العادة يكون أسرع إذا فرقنا بين التمرين بفواصل زمنية فلو كانت النظرية الآلية صحيحة لكان التكرار آلي بدون الفواصل أنجح بكثير بكثير من التكرار المتقطع .
تركيب : إن العادة ليست سلوكا آليا لأن التكرار ليس له مفعول بمفرده فهو لا يخلق آليا الروابط بين الأشياء ، كما أن الترابطات التي تحولت الى عادة لا تعود ثانية ، إلا أن الفرد يريد إعادتها فالإرادة هي التي تستخدم آليات العادة كوسيلة لغاية من الغايات ، الفعل لا يتكرر أبدا والإنسان لا يتعلم بالتكرار الآلي وإنما بالبدء من الجديد ،كما أن القول بأن العادة سلوك لاشعوري إطلاقا قول خاطئ لأن الشعور يحرس دائما الفعل العادي وأن العادة يراقبها الشعور الهامشي الذي ينتقل مباشرة للشعور كلما عجزت الآلية عن مواصلة الحركة (فإذا أخطأنا أثناء الكتابة شعرنا بخطئنا وانتبهنا)
☻ الخاتمة : هكذا نرى أن الإرادة تهتم بالغايات و الطبيعية تقدم الوسائل ، والعادة ليست غاية في حد ذاتها وإنما هي مجرد مرحلة أو وسيلة لتحقيق غايات الإرادة والعادة كسلوك آلي ما هي إلا وضعية الخادمة إلى وضعية السيدة . يقول شوفالي : (إن العادة هي أدات الحياة أو الموت حسب إستخدام الفكر لها ).