حول مصدر المفاهيم الرياضية
المقال 2 يأتى في الموضوع الأول حسب البكالوريا
السؤال:هل يمكن اعتبار المفاهيم الرياضية عقلية محضة ؟ أو
إذا كنت أمام موقفين متعارضين يقول أولهما المفاهيم الرياضية مفاهيم عقلية ويقول ثانيهما المفاهيم الرياضية مفاهيم تجريبية حسية مع العلم أن كليهما صحيح داخل نسقه وتقرر لديك الفصل في الأمر للوصول إلى الموقف السليم فماذا تصنع؟
الطريقة : جدلية
المقدمة:لقد اختلف المفكرون في موضوع أصل المفاهيم الرياضية ونتج عن هذا الاختلاف موقفين متعارضين موقف عقلي يرجع أصل المفاهيم الرياضية إلى ابتكار العقل دون التجربة وموقف تجريبي يرجعها إلى التجربة الحسية رغم طابعها التجريدي العقلي .والتساؤل الذي يطرح هنا من خلال التعارض الحادث بين الموقفين هل المفاهيم الرياضية انبثقت من العقل أم من التجربة؟ أو هل يمكننا تهذيب التناقض وإزالته ؟
الموقف الأولالعقلي)يرى هذا الموقف أن المعاني الرياضية نابعة من العقل وموجودة فينا قبليا بمعنى أنها سابقة عن كل معرفة حسية تجريبية فهي توجد في العقل بصفة فطرية أي لا تكتسب عن طريق التجربة,فالطبيعة مثلا لا تحتوي على الأعداد وإنما على كثرة مبعثرة من الأشياء المادية وكذلك المكان الهندسي الذي يوصف بأنه فراغ مجرد ولا نهاية له لا يشبه في شيء المكان الحسي الذي نعرفه في التجربة يقول غوبلو«إن موضوع العلوم التجريبية إنما هو البحث في الظواهر الطبيعية والقوانين المسيطرة عليها فغايتها إذا هي البحث فيما هو وتعليله أما العلوم الرياضية فهي مستقلة عن الظواهر الطبيعية ولا تحتاجها في أحكامها أن مادتها حقيقية»....ويمثل هذا الموقف عدد من الفلاسفة منهم –أفلاطون,ديكارت,مالبرانش,كانط- حيث يرى أفلاطون أن المفاهيم الرياضية هي أواليات توجد في العقل وتكون واحدة في الذات ثابتة وأزلية ويرى ديكارت أن الأعداد والأشكال الرياضية أفكار فطرية موجودة في النفس وهي أزلية أيضا ويذهب كانط إلى أن مفهوم الزمان والمكان والعلية مفاهيم سابقة عن التجربة فهي قوالب قبلية وخلاصة هذا القول أن الرياضيات علم عقلي فطري يكتشف قبل التجربة.
*لقد بالغ العقليون في حججهم التي أنكرت نشأة المفاهيم الرياضية من التجربة وقد أثبتت الدراسات التاريخية لعلم الرياضيات أن التجربة هي التي قدمت المواد الأولية للفكر بصفة عامة و للفكر الرياضي بصفة خاصة ودليل ذلك ظهور الهندسات الإقليدية التي ارتبطت بالمكان الحسي .
الموقف الثاني:يرى هذا الموقف أن المفاهيم الرياضية مأخوذة من التجربة الحسية والملاحظة العينية كما أن المفاهيم الرياضية وإن بلغت أقصى مراتب التجريد والاستقلال عن الحس ليست فطرية في العقل بل هي مكتسبة عن طريق الحواس اكسبها العقل بالملاحظة والتجربة فهي مستمدة من المحسوسات ويمثل هذا الموقف –دافيد هيوم,جون لوك,جون ستيوارت مل-حيث يرى دافيد هيوم أن يولد وهو فاقد لحاسة ما لا يمكنه أن يعرف ما كان يترتب من انطباعات على تلك الحاسة المفقودة من معاني وأفكار ونفس الرأي عند ستيوارت مل إذ يقول‹أن النقاط والخطوط والدوائر التي يحملها كل واحد منا في ذهنه هي مجرد نسخ من النقاط والخطوط والدوائر التي عرفت في التجربة›وأكبر دليل على أن المفاهيم الرياضية مفاهيم حسية تجريبية عملية مسح الأراضي عند قدماء المصريين كانت سببا في نشوء الهندسة وكذلك ظاهرة المطر والتي أوحت بفكرة الدوائر إلى جانب ظاهرة الحصى والأصابع التي أوحت بفكرة العدد وكنتيجة أن المفاهيم الرياضية مفاهيم حسية تجريبية.
*إذا سلمنا أن المفاهيم الرياضية مأخوذة من التجربة الحسية كباقي المفاهيم العلوم الأخرى فكيف نفسر ثبات المعاني الرياضية ونتائجها على عكس العلوم الأخرى التي تتغير فيها النتائج والمعاني على حد السوى.
التركيب:الواقع أن النظر إلى تاريخ الرياضيات يثبت لنا أن المفاهيم الرياضية لا يمكن أن تكون محسوسات تجريبية ولا مفاهيم مجردة عقلية يقول أحد المفكرين‹ لم يدرك العقل مفاهيم الرياضية في الأصل إلا من جهة ما هي ملتبسة باللواحق المادية ولكن انتزعها بعد ذلك من مادتها وجردها من لواحقها حتى أصبحت مفاهيم عقلية محضة بعيدةعن الأمور الحسية›وعليه فنشأة الرياضيات تجريبية عقلية.
الخاتمة:من خلال هذا العرض يمكننا استخلاص موقف يتمثل في تكامل كل من التجربة الحسية والقدرات العقلية في نشأة المعانى الرياضية .